إن وضع النساء في السجون وأماكن الاحتجاز في مصر لا يختلف كثيراً عن أوضاعهن خارجها. فما قد تتعرض له النساء من عنف وتمييز واستغلال داخل السجون وأماكن الاحتجاز ما هو إلا انعكاس لما تعانيه معظمهن في المجتمع الخارجي الذي يحكمه المنطق الأبوي. وعلى الرغم من أن نسبة النساء في السجون عالمياً أقل بكثير من نسبة الرجال والتي تتراوح بين 2% إلى 10% من سكان السجون، إلا أن أعدادهن في تزايد كبير بصورة غير متكافئة مع نسبة زيادة السجناء من الرجال. وهذا لعدة عوامل منها عدم تمتع النساء بالكثير من حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق وصولهن للعدالة ووجود تشريعات تمييزية ضد النساء بالإضافة إلى فلسفة أغلب التشريعات التي تعاقب عدد من النساء على ممارسات تعتبرها "تضر بالنظام العام أو أخلاق المجتمع"، الشيء الذي يزيد من احتمالية الزج بالنساء في السجون. وفي هذا الإطار تأتي هذه الدراسة الصادرة عن "نظرة للدراسات النسوية" لتسلط الضوء على بعض الجوانب من وضع النساء في السجون وأماكن الاحتجاز وتحليل لعدد من السياقات التي تؤدي إلى إحتمالية الزج بالنساء فيها، وتداعيات احتجازهن وأوضاعهن بعد خروجهن منها. لذلك من المهم النظر إلى وضع النساء في نظم العدالة الجنائية بشكل عام للمساهمة في طرح صورة أشمل تمكننا من تحليل الثغرات والنواقص واقتراح لتوصيات قد تساعد في تحسين الأوضاع بما يتناسب مع احتياجات النساء بشكل عام.
اعتمدت هذه الدراسة على مراجعة مكتبية لمعظم ما نشر من تقارير ودراسات عالمية عن موضوع وضع النساء في السجون وأماكن الاحتجاز بالإضافة إلى وضع النساء في نظم العدالة الجنائية بشكل عام. هذا بالإضافة إلى المعايير والأطر الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص المحرومين من الحرية وما نشر عن وضع السجون المصرية بما في ذلك اللائحة الخاصة بالسجون. كما اعتمدت الدراسة على شهادات منشورة من قبل والتي تم توثيقها بشكل مباشر من قبل نظرة للدراسات النسوية لنساء خضن تجربة الاعتقال والاحتجاز بسبب نشاطهن السياسي في فترات زمنية وسياقات مختلفة، بالإضافة إلى إجراء مقابلات لهذه الدراسة مع ناشطتين سياسيتين ممن خضن تجربة داخل السجون المصرية. تم تجهيل الشهادات واستخدام الحروف الأولى من أسمائهن للحفاظ على خصوصيتهن. كما تم إجراء مقابلة مع المحامية الحقوقية والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان راجية عمران وهي عضوة في المجلس القومي لحقوق الإنسان.
من خلال هذه الشهادات تم التعرف على بعض السياقات التي تزيد فيها نسبة تعرض النساء للانتهاكات والعنف والتمييز خلال المراحل المختلفة من الاحتجاز ابتداءً من مرحلة القبض مروراً بالتحقيقات انتهاءً بالسجن. وتم تحليل هذه الشهادات والوقائع من منظور نسوي ليتم توثيق الخبرات المختلفة والتمييز الذي تتعرض له النساء في أماكن الاحتجاز والسجون بشكل عام. هذا التمييز الذي يتقاطع مع عوامل أخرى مثل الطبقة الاجتماعية والمستوى التعليمي والاقتصادي بالإضافة إلى نوع الجرائم. وتبين أن هناك سياقات داخل في منظومة العدالة الجنائية تزيد فيها نسبة تعرض النساء للعنف والتمييز.
التمييز ضد النساء في نظم العدالة الجنائية
يُعرّف نظام العدالة الجنائي "بمجموعة من الممارسات والمؤسسات للحكومات التي تستهدف دعم الرقابة الاجتماعية وردع وتخفيف الجرائم ومعاقبة المنتهكين للنظام مع عقوبات جنائية مع إعادة التأهيل. ويتكون نظام العدالة الجنائي من ثلاثة أقسام رئيسية : 1) التشريعي المتعلق بإقرار القوانين. 2) القضائي المتعلق بالمحاكم. 3) التأديبي المتعلق بالإجراءات الخاصة بالسجون والحبس والمراقبة والإفراج المشروط. حيث تعمل هذه الوسائل معاً على حدٍ سواء تحت سيادة القانون واعتبارها الوسيلة الرئيسية للمحافظة على سيادة القانون في المجتمع فيما يُعرف بنظام العدالة الجنائي" وإذا ما قمنا بتحليل وضع النساء في نظم العدالة الجنائية من منظور جندري، سنجد أن النساء تتأثر بشكل مختلف وتتعرض للعنف والتمييز في جميع المستويات التشريعي والقضائي وعلى مستوى السياسات والإجراءات، هذا بالإضافة إلى التعرض للوصم والتمييز من قبل المجتمع.
على مستوى التشريعات والقوانين:
نوعية الجرائم الخاصة بالنساء والقوانين التمييزية
تقع النساء تحت طائلة ما يسمى بالجرائم الأخلاقية كمتهمات محتملات حيث أنهن أكثر عرضة لاتهامهن بجرائم يعتبرها المجتمع والقانون "تضر الأخلاق" مثل الزنا المُجرّم في قانون العقوبات المصري والعديد من الدول الإسلامية بسبب المرجعية الدينية للقوانين والتشريعات حيث يعتبر الزنا جريمة يعاقب عليها القانون، بينما يتم تبرير الاغتصاب في حال تزوج المُغتصب من المجني عليها في بعض الدول. وأيضا في معظم الدول، يتم التمييز بين الرجال والنساء في إثبات الزنا والعقوبة المترتبة عليه. حيث يتطلب إثبات الزنا على الرجل وفقاً للقانون المصري أن يكون داخل بيت الزوجية فقط، أما الزوجة فيُثبت عليها داخل وخارج بيت الزوجية. وتكون عقوبة الزوجة أكبر إن قامت بقتل الزوج، بينما تُخفف عقوبة الزوج إن كان العكس بحجة" الدفاع عن الشرف". وقد تقع النساء ضحية مخالفة الأعراف والتقاليد التي وجدت لها طريق إلى القوانين حيث أن النساء تتعرض للحبس لأسباب تسمى "أخلاقية" غير جنائية مثل الهروب من منزل أهلها هرباً من زواج قسري أو رغبتها بالاستقلال. كما قد تتعرض للملاحقة القانونية بسبب خضوعها لعملية إجهاض المُجرّم قانوناً في العديد من الدول إلا باستثناءات محدودة جداً مثل تعرض حياة الأم للخطر حتى وإن كان الحمل ناتج عن عملية اغتصاب. هذا بالإضافة إلى ما يسمى بقضايا الآداب التي تطال النساء العاملات في الجنس أكثر من الرجال حيث غالياً ما يتم حبسهن واحالتهن للمحاكمة على ذمة تلك القضايا بينما يتم إخلاء سبيل الرجال بعد دفع كفالات مالية. كما أن مشاركة النساء في المعترك السياسي جعلهن أكثر عرضة للحبس والتنكيل والعنف الجنسي بسبب نشاطهن السياسي وخروجهن عن الأدوار النمطية والمطالبة بحقوقهن والتعبير عن آرائهن. وتجلى ذلك في حوادث الاغتصابات الجماعية التي استهدفت المتظاهرات في أوقات وأماكن متفرقة منذ أحداث ثورة 25 يناير 2011 سواء من قبل فاعلين أو غير فاعلين في الدولة، هذا بالإضافة إلى كشوف العذرية التي حدثت في 9 مارس في السجن الحربي لعدد من المتظاهرات. وفي بعض الدول تتعرض النساء للحبس الاحترازي بغرض حمايتهن من الموت على أيدي أهاليهن إذا ما تعرضن للاغتصاب بما يسمى بجرائم الشرف.
الوصول للعدالة والحصول على التمثيل القانوني والبدائل غير الاحتجازية
بشكل عام تُحرم الكثير من النساء من التمتع بحقوقهن الاجتماعية والاقتصادية الشيء الذي يؤدي إلى صعوبة وصولهن للعدالة. لذلك نجد أن معظم السجينات هن من الطبقات الأكثر فقرا وأقل في التعليم اللاتي لا يستطعن توكيل محامي للدفاع عنهن أو حتى عدم معرفتهن بحقوقهن القانونية، ويصبح الأمر في الغالب رهن بأفراد أسرهن الذكور الذين يتحكمون بالموارد المالية. وإذا ما نظرنا إلى نوعية الجرائم التي تُزج بسببها النساء في السجون، سنجد أن الكثير منها مرتبطة بأوضاعهن المادية أو عدم قدرتهن على تحمل تكاليف التمثيل القانوني أو بدائل الاحتجاز مثل دفع الغرامات والكفالات، أو مرتبطة بأوضاعهن الاجتماعية وتعرضهن لتجارب عنف في دوائرهن الخاصة. حيث تحكى (م. م) التي قضت في إحدى السجون سنة وأربع شهور، وثلاثة شهور أخرى في سجن آخر بسبب نشاطها السياسي أن الكثير من السجينات بتهمة السرقة هن من العاملات في المنازل تم اتهامهن من قبل من يعملن لديهن بسبب دفاعهن عن أنفسهن نتيجة لتعرضهن للتحرش الجنسي أو الاغتصاب. وبحسب تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان بعد زيارته للسجن في 2013، فإن معظم السجينات بسبب تهم مثل السرقة وحيازة المخدرات وقضايا الأموال العامة والآداب بالإضافة إلى القتل أو ما يعرف بجرائم النفس.
وبحسب شهادة (م.م) فإن أغلب السجينات إما غارمات أو كواحيل. حيث أن الغارمات هن من قمن باستدانة مبلغ مالي ولم تستطع سداده، وأحيانا يكون العجز في مبالغ بسيطة تُحبس بسببها سنين طويلة، والكواحيل هن من تقع عليهن المسؤولية القانونية بسبب هدم عقار مكتوب بإسمهن بدون تراخيص بالاتفاق مع المقاولين وهو شيء شائع في بعض محافظات مصر حسب رواية (م. م)، حيث يتم هدم للمباني الأثرية للصعود بعمارات تجارية. وتحكى (م. م) أنه غالباً ما تقوم الغارمات بالاستدانة لخدمة أفراد عائلاتهن مثل تزويج أبنائهن أو مساعدة إخوانهن أو أحد أفراد العائلة. كما يفضل كل من العائلات والدائنين النساء للضغط عليهن للسداد، هذا بالإضافة إلى استعدادهن شخصياً للتضحية بحريتهن ودخول السجن سواء في حالة الغارمات أو الكواحيل لحماية أسرهن نظراً للدور المصبوغ عليهن مجتمعياً بتقديمهن للتضحيات من أجل أسرهن. كما تحكي (م. م) أيضاً أن العديد من المتهمات في قضايا المخدرات أو ما يعرف بالأنشطة العائلية أو في قضايا القتل بقمن بتحمل التهم بدل من أزواجهن أو أبنائهن أو أفراد عائلاتهن الذكور لحمايتهم من السجن، وبالفعل تم إعدام اثنتين من المتهمات بالقتل أثناء وجودها في السجن.
العنف ضد النساء والوصمة المجتمعية للسجينات
تعاني السجينات من وصمة مجتمعية داخل وخارج السجن حتى من قبل أسرتها. فبالرغم من تحملهن عقوبة السجن لحماية عائلاتهن، إلا أنه في أغلب الأحيان يتبرأ الأهل من السجينة التي جلبت لهم العار بدخولها السجن وقد يمتنعون عن زيارتها. وفي كثير من الأحوال، يتسبب السجن في طلاق الكثير من المتزوجات ويتم حرمانهن من حقهن في رؤية أبناءهن إن كن أمهات. وهذا هو عكس ما يحدث إذا كان السجين رجل حيث يغلب العُرف الذي يقول أن "السجن يصنع الرجال" وغالباً ما تكون النساء أكثر وفاءً لأزواجهن السجناء ويقمن بزبارتهم وتلبية احتياجاتهم بانتظام. فبحسب مشاهدات المحامية راجية عمران، فإن النساء تشكل الغالبية العظمى من الزائرين في السجون المختلفة. وأن أغلب الجنائيات من طبقات اجتماعية أقل تمكيناً ولا يتم زيارتهن بعكس السياسيات الاتي ينتمين غالباُ إلى الطبقة المتوسطة المتعلمة فيجدن الدعم والزيارات المنتظمة من الأسرة والأصدقاء والمحاميين.
على مستوى السياسات والاجراءات التأديبية:
وضع السجون والإجراءات الخاصة به
ولأن أغلبية السجناء من الرجال بشكل عام، نجد أن جميع الإجراءات والسياسات المتعلقة بأماكن الاحتجاز والسجون وحتى الموقع والتصميم الهندسي للمباني لا تلتفت بأي شكل أو تراعي خصوصيات واحتياجات النساء. لذلك تتعرض النساء للعديد من الإجراءات التمييزية وتكون أكثر عرضة للعنف في سياقات مختلفة. هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن الرجال لا يتعرضون للعنف والتمييز داخل السجون والمعتقلات. وبشكل عام فإن منظومة العدالة الجنائية في مصر بما فيها المنظومة التشريعية والبنية التحتية للسجون متردية ومتهالكة، وتواجه الكثير من المخالفات التي تهدد حقوق الإنسان. فبحسب تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان في 2013، فإن "ھناك سجون لا تتمتع بالحد الأدنى للحياة الإنسانية وتحتاج لبناء سجون بديلة، وبعضھا يمكن إصلاحه، كما أن هناك حاجة لبناء سجون جديدة تتوافر فيها شروط الحد الأدنى لمعاملة السجناء بالنظر للزيادة السكانية الكبيرة". كما عبر المجلس عن قلقه الشديد من "الاكتظاظ وزيادة أعداد السجناء في السجون المصرية بشكل عام بما يصل لضعف طاقة السجون الاستيعابية مما يشكل عبئا كبيراً على إدارات السجون فيما يتعلق بالانضباط والسيطرة على السجناء، وهو ما يؤدي لتغليب الجوانب الأمنية الانضباطية على تمتع السجناء بقواعد المعاملة الدنيا للسجناء"، حيث تحولت معظم السجون في مصر "لمخازن للبشر وھو ما يخالف الدستور المصري الذي يجب أن يطبق على أرض الواقع". كما أن هناك العديد من التقارير لمنظمات حقوقية دولية ومحلية تتناول الانتهاكات والتعذيب الذي يحدث في أماكن الاحتجاز والسجون.
إلاّ أن هذه الدراسة تركز على تجارب النساء في السجون وأماكن الاحتجاز بشكل رئيسي والاحتياجات الخاصة بهن التي طالما يتم إغفالها. حتى على صعيد المجتمع الدولي، نجد أن المواثيق التي تناولت حقوق المحرومين من الحرية لم تتناول احتياجات النساء. باستثناء قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحتجازية للسجينات (قواعد بانكوك) التي صدرت في عام 2010 والتي تتناول بشكل مفصل احتياجات النساء في السجون وأماكن الاحتجاز وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
السجون المخصصة للنساء وموقعها الجغرافي
إن السجون المخصصة للنساء في مصر لا تتعدى الخمس سجون وتقع في محافضات رئيسية وهي سجن القناطر وهو أكبرهم ويغطي القاهرة الكبرى والأجزاء الشرقية، وسجن دمنهور ويغطي مناطق الدلتا من الإسكندرية ومطروح والبحيرة، بالإضافة إلى سجن المنيا الذي يغطي الصعيد وسجون بورسعيد وطنطا وهي سجون صغيرة ولا تستوعب الجرائم الكبيرة التي تتطلب قضاء مدة طويلة في السجن، كما أن العنابر في سجن طنطا لا تحتوي على حمامات، وإنما تقوم السجينات بقضاء حاجتهن في جرادل لذلك يطلقون عليه "سجن جردل" حسب رواية (م. م). فنجد أن من أهم شكاوى السجينات هي صعوبة وصول الزيارات لهن وبُعد السجون عن أماكن سكن ذويهن. هذا بالإضافة إلى تكدس السجون وتحملها أضعاف طاقتها، فبحسب شهادة إحداهن أن سجن دمنهور على سبيل المثال طاقته الاستيعابية 450 سجينة بحسب اللائحة، ولكن كانت تتعدى السجينات 1000 سجينة. كما اضطرت (س. ن) وهي ناشطة ومدافعة عن حقوق الإنسان قضت مدة سنتين في إحدى السجون بسبب نشاطها السياسي، للنوم على الأرض أو مشاركة سجينات أخريات أسرّتهن بسبب التكدس.
الإجراءات الأمنية والتفتيش الذاتي
من ضمن الإجراءات الأمنية عند الدخول للسجون هو إجراء التفتيش الذاتي للسجينات، ورغم أن التفتيش يتم على يد سيدة إلا أنه يتم بطريقة مهينة ولا تحترم سلامة أجساد السجينات وخصوصيتها ويصل الأمر لفحصهن مهبلياً بحجة التأكد أنهن لا يخبئن أسلحة أو مخدرات أو هواتف محمولة الشيء الذي يعد شكلاً من أشكال العنف الجنسي الممارس ضد السجينات. وتحكي كل من (م. م) و (س. ن) أن هذا الإجراء يتم بشكل دوري خاصة على السجينات الجنائيات ولكن السياسيات لمعرفتهن بحقوقهن يرفضن الخضوع لهذا الإجراء.
كما أنه يتم الطلب من السجينات المستجدات إجراء اختبار الحمل سواء للمتزوجات أو غير المتزوجات بغرض تصنيف السجينات، الشيء الذي يعد انتهاك خصوصية لأجساد النساء وعادة ما يتم اجراؤه في غرفة مفتوحة حيث يتواجد فيها أفراد من المباحث أو أمن السجن ولكنهم يضطرون للذهاب إذا ما تم طُلب ذلك منهم خاصةً من قبل السجينات السياسيات الاتي بملن للمطالبة بحقوقهن بينما يغلب على الجنائيات استسلامهن وقبولهن للأمر الواقع وسهولة إستضعافهن.
كما يتم أيضاً تفتيش من يقومون بزيارة السجن. فتحكي ريم باشيري عن تجربتها وإحساسها بالمهانة بسبب خضوعها للتفتيش اليدوي الذي تقوم فيه السجانة بلمس جميع المناطق الحساسة في الجسم بشكل مهين وفيه انتهاك للخصوصية.
الرعاية الصحية والنفسية
تعاني السجون المصرية بشكل عام من قصور توفير الرعاية الصحية اللازمة للمساجين، فبحسب تقرير قامت به المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، " فالسجين لا يعرض على طبيب فور وصوله السجن، بالمخالفة للقانون المصري والقواعد الدولية، وفي أحيان كثيرة لا يتمكن من زيارة الطبيب عند الحاجة إليه. كما نجد عدم كفاية عدد الأطباء لعدد السجناء أو عدم كفاية فترة تواجد الطبيب في السجن الواحد، والتي غالبًا ما تكون فترة عمل صباحية. هذا بالإضافة إلى صغر سن وتواضع خبرة أطباء السجون بالمقارنة بحجم الاحتياج الصحي الموجود داخل السجون، مع غياب تواجد التخصصات الطبية عن السجون بشكل دائم بالرغم من الكثافة العالية في السجون الكبيرة والتي تستدعي تواجدهم بشكل أكبر. هذا إلى جانب التمييز الذي يخترق منظومة الرعاية الصحية داخل السجون، والذي يسهل للقادرين وذوي النفوذ الحصول على الخدمات الصحية أو المعيشة في ظروف أفضل نسبياً من سائر السجناء." هذا بالإضافة إلى "عدم الاهتمام بخصوصية الاحتياجات الصحية للنساء السجينات بشكل عام، والحوامل والأمهات منهن بشكل خاص، وذلك من جهة إتاحة طبيب أمراض نساء وتوليد مقيم إلى جانب طبيب للأطفال، وتوفير الرعاية الخاصة في أثناء الولادة والتي يعاني فيها النساء من فقر التجهيزات والإمكانيات الطبية"
وتحكى (م. م) أنها شهدت واقعتين، إحداها لأم فقدت رضيعها المريض بسبب عدم استجابة إدارة السجن لتوسلاتها وحاجتها لعرض طفلها على طبيب. والأخرى اضطرت للولادة في العنبر تحت ظروف غير ملائمة بسبب تأخر العاملين في السجن عن اسعافها للمستشفى الجامعي للمحافظة المتواجد السجن بها والذي يعاني في الأصل من قلة الإمكانيات. كما تحكي (س. ن) عن السجينات مرضى السرطان اللاتي كن بحاجة لأدوية باستمرار والتي لم تكن تتوفر لهن بل وكان يتم سرقتها وبيعها من قبل بعض موظفي السجن.
كما لا تراعي السجون توفير الفوط الصحية للتعامل مع الدورة الشهرية للنساء مما يؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض ولا يلتفت السجن لتوفير التغذية اللازمة للنساء خاصة السجينات الحوامل والمُرضعات ولأطفالهن، وإنما يعتمدن على ما يأتيهن من الزيارات آو يضطررن لشرائها من سجينات أخريات أو عن طريق التكافل بين السجينات.
هذا بالإضافة إلى عدم وجود أخصائيات نفسيات للسجينات اللاتي يعانين من اضطرابات نفسية خاصة وأن النساء أكثر عرضة للصدمات والاضطرابات النفسية بسبب ما يعانين منه من عنف واستغلال داخل وخارج السجون. فتحكي (م. م) عن سجينة كانت تعاني من اضطرابات نفسية وتقوم بالصراخ دائما، وكانت إدارة السجن تسمح للسجينات بضربها وحبسها بدل من توفير العلاج اللازم لها. كما تعرضت (س. ن) لاضطراب نفسي دفعها لمحاولة الانتحار عدة مرات ولم توفر لها إدارة السجن الدعم النفسي ولكنها استطاعت الحصول على الدعم النفسي من طبيب من خارج السجن وتم السماح لها بتناول عقاقير تحت إشراف هذا الطبيب الذي تم توفيره من قبل جهات الدعم الحقوقية التي كانت توفر لها دعم لكونها مسجونة سياسية ومدافعة عن حقوق الإنسان.
الأنشطة وبرامج إعادة التأهيل
يسمح للسجينات بساعات معينة في اليوم للخروج من العنابر ورؤية الشمس فيما يعرف بالتريض وغالباً ما تكون من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثانية ظهراُ ولكن بحسب شهادة (م. م) و(س. ن)، فإن السجينات السياسيات يسمح لهن بالتريض لمدة ساعتين فقط في اليوم وذلك لتجنب احتكاكهن بالسجينات الجنائيات خاصة في سجن معين حيث يتم فصل السجينات السياسيات في عنبر منفصل عن عنابر السجينات الجنائيات. ولكن في سجن آخر بسبب ضيق مساحته لم يكن في الإمكان إجراء هذا الفصل وتعتقد (م. م) أن الاختلاط بالجنائيات تجربة مفيدة بالنسبة لها حيث مكنتها من سماع مشاكلهن ومحاولة مساعدتهن وتلبية احتياجاتهن خاصة ممن لا يأتي أحد لزيارتهن ومعرفة احتياجاتهن.
كما لا توجد برامج تأهيل أو تدريب وإنما تقوم السجينات ممن لديهن القدرة أو الموهبة مثل الرسم أو الخياطة أو الأشغال اليدوية بعمل تلك الأنشطة بشكل ذاتي، ولكن السجن لا يسمح للجميع بممارسة تلك الأنشطة خاصة السياسيات ولا يسمح بإدخال المواد اللازمة لعمل تلك الأنشطة إلا لعدد محدود من السجينات بحسب شهادة (م. م) و(س. ن).
وتقول (س. ن).أنه في إحدى السجون يوجد ورشة لخياطة ملابس السجن الرجالي والنسائي يعمل بها من لديهن الخبرة في ذلك دون تدريب أو تأهيل من السجن كما تُقام معارض صورية للأشغال اليدوية فقط عند وجود زيارة من المجلس القومي لحقوق الإنسان أو تفتيش من النيابة والتي يعود ريعها لإدارة السجن.
الزيارات والاتصال بالعالم الخارجي
غالبا ما تحصل السجينات السياسيات على الدعم والتضامن من الأهل والأصدقاء والرفقاء ومن المحاميين والمحاميات. أما بالنسبة لباقي السجينات فإن معظمهن لا تأتيهن الزيارات وعلاقتهن بالمحامي إن وجدت تقتصر على وجوده في المحاكم. بالإضافة إلى عامل الوصم المجتمعي وامتناع بعض أهالي السجينات من زيارتهن، فهناك العامل المادي الذي يمنع الأهالي حتى الراغبين منهم بالزيارة من عمل ذلك. حيث تقول المحامية راجية عمران "أن الإعاشة مكلفة جداً حيث تتراوح تكلفة الإعاشة الواحدة في أقل تقدير من 500 الى 700 جنيه، هذا بالإضافة إلى تكلفة المواصلات، خاصة وأن سجون النساء محدودة وتقع في أماكن بعيدة تضطر الزائرين بالسفر من محافظات بعيدة". كما أن الزيارت تكون قصيرة جداً مقابل المشقة وساعات الانتظار التي يتكبدها الزائرين للقدوم. كما أن السياسيات قد يتم حرمانهن من الزيارات لمدة غير محدودة من الزمن من دون مبررات ويتم أحياناً تحديد الزيارة للأقارب من الدرجة الأولى والثانية فقط كما حدث مع (م. م).
السلامة الجسدية والتعرض للعنف الجسدي والجنسي
تتعرض السجينات للاعتداء الجسدي والسب اللفظي من قبل السجانات أو إدارة السجن، خاصة عند نشوب شجارات داخل العنابر أو عند اعتقاد إدارة السجن مخالفتهن للوائح السجن وقد يتم وضع السجينات في التأديب وهو عبارة عن السجن الانفرادي لمدة خاضعة لتقدير مأمور السجن؛ فقد تستمر لمدة أيام أو لشهور. كما قد تحدث وقائع تحرش جنسي داخل السجون من قبل سجينات أُخريات أو من قبل العاملين في السجن. وتحكي (س. ن) عن تجربتها بالتعرض لتحرش جنسي من قبل سجينة أخرى أكبر منها في السن في ظل قبول وتواطؤ من إدارة السجن. وعند نشوب مشاجرة بينهن وإصرارها على الشكوى لمأمور السجن، قام بمعاقبتها بالحبس الانفرادي لمدة يومين. كما تحكي (م. م) عن تعرض السجينات الجنائيات للتحرش من قبل طبيب السجن وأنه حاول أن يتحرش بسجينة وكانت سجينة سياسية، فقامت برفع شكوى ضده حيث ترى (م.م) أنه يتم استغلال ضعف وخوف الجنائيات اللاتي يضطررن للسكوت عن هذه الجرائم. كما يتم تهديد السجينات قبل كل زيارة للمجلس القومي لحقوق الإنسان بالالتزام الصمت وعدم الشكوى للوفد الزائر من أي انتهاكات وإلا سيتم معاقبتهن، كما أن إدارة السجن تقوم بمنع الوفد من دخول عنبر السياسيات لاعتقادهم أنهن لن يلتزمن الصمت.
ورغم احتمالية وقوع الانتهاكات ذات الطابع الجنسي ضد النساء داخل السجون، إلا أن نسبة تعرض النساء للانتهاكات وخاصة ذات الطابع الجنسي تكون أكبر في سياقات أخرى تسبق الدخول للسجون ابتداءً من مرحلة القبض مروراُ بعربة الترحيلات وانتهاءً بأقسام الشرطة والحجز المؤقت وذلك طبقا لما تم توثيقه سابقا.
أثناء إلقاء القبض
طبقاً للشهادات التي تم نشرها سابقاً من قبل نظرة للدراسات النسوية لرصد الانتهاكات التي تمت ضد مدافعات عن حقوق الإنسان في أماكن متفرقة في الفترة بين أبريل ومايو 2016، تم القبض على الناشطات إما بشكل عشوائي أثناء تواجدهن في مسيرات أو مظاهرات أو وقفات سياسية عن طريق استهدافهن بشكل شخصي وإلقاء القبض عليهن من محل إقامتهن أو من المقاهي والبيوت في محيط وسط البلد. خلال هذه العملية تقع النساء تحت خطر التعرض للعنف المعنوي عن طريق الإذلال وإلقاء الشتائم والسب والقذف أو عن طريق العنف الجسدي بالضرب، وأحيانا كثيرة للعنف الجنسي عن طريق التهديد بالاغتصاب أو التحرش الجنسي الفعلي سواء من أفراد الشرطة أو من المواطنين/ات الموالين للنظام.
أثناء الانتقال في عربة الترحيلات
قد يكون الانتقال من مكان القبض إلى قسم الشرطة أو النقل من القسم إلى النيابة أو من السجن إلى المحكمة. في كل هذه السياقات تكون المتهمات في قبضة أمناء الشرطة أو المباحث والذين قد يقوموا بالتعدي عليهن بالضرب أو السب والقذف أو التحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب. وقد تستغرق الرحلة ساعات طويلة تسمح بحدوث انتهاكات دون رقيب وتحكي (س. ن) أنها في إحدى المرات التي كانت فيها في عربة الترحيلات أثناء انتقالها من السجن للمحكمة كانت بصحبة سجينات جنائيات أخريات حين قام أمين الشرطة باعطاء إحداهن حبة دواء ذات لون أحمر وبعد أن تناولتها قام بالاختلاء بها في المنطقة التي يقف فيها أمناء الشرطة في العربة وقام بإغلاق الباب على بقية السجينات وبعد مرور الكثير من الوقت فتح الباب وعادت السجينة وهي تحاول التعديل من هندامها وهو كذلك.
كما تفيد شهادة أخرى وثقتها "نظرة للدراسات النسوية" أنه أثناء القبض على متظاهرة ودفعها بالقوة إلى داخل مدرعة الأمن المركزي وتم الاعتداء جسديا بالضرب والسحل خارج وداخل المدرعة، وكذلك الاعتداء عليها جنسيا واغتصابها فمويا بداخل المدرعة: "كان في 4 عساكر في المدرعة، واحد منهم معمليش حاجة وكان بيعيط، والثلاثة التانيين كانوا بيعتدوا عليا جنسياً وواحد منهم كان بيقبلني عنوة. بنطلون الجينز بتاعي كان مقلوع لحد ركبي وزراير القميص بتاعي كانت مفتوحة. الضابط طلع المدرعة وقال للعساكر: تعالوا على جنب، وقالي: بقى أنا مش راجل؟، قلتله: آه إنت مش راجل. كنت واقعة ساعتها على ظهري، قام قلع البنطلون وحط جسمه (عضوه الذكري) بالعافية فى بقى ورجليه كانت على إيديّه وقعد يقبلني كذا مرة وخربشته على خدوده وهو فضل يطلع جسمه من بقي ويدخله تاني 3 مرات. هو كان ملثم، واضح إنه كان قوات خاصة، وأنا كنت بخربشه على خدوده علشان أبعده عني وأحاول أكشف وشه. أنا بحلم بعينيه لحد دلوقتي...".
في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز
تعد أقسام الشرطة من أسوأ الأماكن التي تزيد فيها نسبة خطورة التعرض للانتهاكات الجسدية والجنسية للنساء ولأن جميع الموظفين في الأقسام هم من الرجال. حتى التفتيش الذاتي يقوم أمناء الشرطة أو المباحث بأمر إحدى المحبوسات السابقات بإجراء التفتيش للمستجدات الذي يتم بطريقة غير مهنية في مكان لا يتمتع بالخصوصية وعلى مرأى ومسمع من الموجودين سواء من الرجال أو النساء. كما يتم تعرضهن لمعاملة مهينة ومصادرة الهواتف المحمولة والحرمان من الحق في التواصل مع العالم الخارجي. وعندما يتطلب الأمر المبيت في القسم، تضطر المعتقلات للنوم في ظروف غير آدمية في أماكن تفتقر للتهوية وقد يتعرضهن للتحرش الجنسي والتلصص من قبل أمناء الشرطة أو تحرش جسدي من قبل سجينات في نفس الزنزانة. بالإضافة إلى اقتحام الحجز من دون استئذان من قبل أمناء الشرطة وقد تطول فترة مكوث النساء في الحجز لمدة سنوات في بيئة محاطة بالرجال.وهناك ما يسمى ب"الحبسخانة" أو "التخشيية" وهي عبارة عن أماكن احتجاز مؤقتة تنزل فيها السجينات بشكل مؤقت عند انتقالهن لسجن آخر أو عند ذهابهن للنيابة أو أثناء انتقالهن للإفراج عنهن. فبالإضافة لسوء التهوية وضيق الحجز وعدم نظافته، تتعرض المحتجزات لإهانة إضافية وهي اضطرارهن لخوض تجربة التفتيش المهينة مرة أخرى. وبحسب شهادة (م. م) يتم إجبارهن على القيام بقضاء حاجتهن في الأرض للتأكد من أنهن لا يخبئن شيء داخلهن ولا يتم إخراجهن من التخشيبة إلا بعد قضاء الحاجة.
ولأن ما يحدث في السجون وأماكن الاحتجاز هو امتداد لثقافة المجتمع وممارسات الدولة في باقي مجالات الحياة، فإن التمييز والانتهاكات التي تحدث للنساء تتفاوت وتتقاطع مع عوامل أخرى مثل المستوى الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي. فهناك تفاوت في طريقة التعامل التي تتسم بالطبقية والأبوية واستغلال السلطة من قبل الظباط وأمناء الشرطة وإدارة السجون مع المتهمات حسب مستواهن التعليمي والاقتصادي والاجتماعي.
وبالرغم أن البحث اعتمد على شهادات سجينات سياسيات إلّا أن تجاربهن كانت ملهمة من خلال قدرتهن على استيعاب مظاهر الظلم والاستغلال في السياقات المختلفة من اعتقالهن ومعرفتهن بحقوقهن والتصدي بشجاعة لتلك الانتهاكات. هذا بالإضافة إلى اهتمامهن بالانتهاكات التي تحدث للسجينات الجنائيات وليس فقط السياسيات، نظراً لكونهن مدافعات عن حقوق الإنسان مهتمات بهذه القضية. كما أن تجربة المعتقلات السياسيات كانت حلقة الوصل التي مكنتنا من معرفة تجارب السجينات الجنائيات خاصة في ظل التحديات التي واجهت عمل هذا البحث من قصور المعلومات والإحصاءات الخاصة بأوضاعهن في السجون وأماكن الاحتجاز. وصعوبة الوصول إلى المعلومات حيث لا توجد أبحاث خاصة بوضع النساء في السجون والاحتياجات الخاصة بهن في السياق المحلي، فضلاً عن عدم القدرة على إجراء زيارات ميدانية وصعوبة التواصل مع السجينات.
توصيات عامة لتحسين وضع النساء في نظام العدالة الجنائية
بعد استعراض تجارب سجينات وأنماط الانتهاكات التي تتعرضن له، تقوم "نظرة للدراسات النسوية" طرح بعض التوصيات المتعلقة بالسجون الخاصة بالنساء وأماكن الاحتجاز والتي تشمل ولا تقتصر على معاملة النساء فيها بما يضمن عدم التمييز بينهم واتباع معايير الخصوصية وحق السلامة الجسدية لهن وعدم تعرضهن لأي شكل من أشكال العنف سواء اللفظي أو الجسدي أو الجنسي. هذا بالإضافة إلى ضمان تمتعهن بحقوقهن كاملة والتي أيضاً تشمل ولا تقتصر على حقهن في التريض وتلقي الخدمة الطبية الملائمة وعدم التنكيل بهن وتمتعهن بحقهن في الزيارات كاملة. وتنقسم التوصيات المُشار إليها كالآتي:
على مستوى التشريعات
توصيات خاصة بالجهاز الشرطي
توصيات خاصة بإدارة السجون
توصيات عامة
والجدير بالذكر أن كل ما سبق لا يمكن تطبيقه دون وجود إرادة سياسية تضع على عاتقها قضية إصلاح المنظومة الأمنية وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية كاملة بما يتوافق مع مواد وأحكام الدستور المصري والمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تلتزم مصر بها.
مصادر أخرى: